لماذا نحب رمضان ونشتاق إليه؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
فمع قرب دخول شهر الخيرات، تتعدد نيات الناس في محبة هذا الشهر، وتتباين مقاصدهم في الشوق إليه:
فمن الناس من ينتظر شهر رمضان، ويتلهف للقائه، شوقاً لتلك الأطعمة التي تملأ الموائد، وتلك الأشربة متنوعة المطاعم، فهمه بطنه، وحبه لمطعمه ومشربه، فرمضان عنده شهر تسمين، فبئست النية، وخاب المقصد، وما أتفه الهم!
ومن الناس من يَعُدُ الأيام والليالي، ويحسب الساعات والثواني، شوقاً لهذا الشهر الغالي، لما فيه من المسلسلات التلفزيونية، والبرامج الفضائية، والمشاهد الفكاهية، فهو ينتظر لحظات الضحك، وساعات المتعة، وأوقات الإثارة، مع تلك القنوات الهابطة، فيا خسارة من كان هذا همه، ويا دناءة من كان هذا مقصده.
ومن الناس من علت همته، وسمت نيته، وارتفع قصده، فهو ينتظر رمضان بفارغ الصبر والاشتياق، يحسب الساعات واللحظات، للقاء هذا الشهر الفضيل، والموسم العظيم، لما منحه الله من العطايا والهبات، وما أودعه من الفضائل والكرامات.
*يحب رمضان ويشتاق إليه لأنه الشهر الذي اختاره الله لإنزال القرآن فيه، {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}، يحبه لأن فيه دارس خيرُ الملائكة خيرَ البرية خيرَ الكلام، فيه دارس جبريل عليه السلام محمداً صلى الله عليه وسلم القرآن فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : "... وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ..." متفق عليه.
وشهر اختاره الله وارتضاه لأن يكون زمناً لنزول القرآن، وموقتاً لتدارس أكرم الملائكة مع أكرم الخلق أكرم كلام جدير بأن يحبه كل مسلم، ويشتاق للقائه كل مؤمن، فنحبه لنجالس فيه القرآن، ونسمع وفيه القرآن، ونتلو فيه القرآن، فيا شوقنا لشهر القرآن.
*يحب رمضان ويشتاق إليه لأنه الشهر الذي به تغفر الذنوب، وتستر العيوب، ويتجاوز الله عن الزلات، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ» رواه مسلم.
إن شهراً جعله الله مكفراً لذنوب طالما أثقلت كواهلنا، وغطت قلوبنا، وضيقت معايشنا، وجلبت الهم والغم لنفوسنا، جدير بأن يحبه المسلم، ويشتاق للقائه المؤمن، فعجّل يا شهر تكفير الخطايا فقد أثقلتنا الخطايا، واجهدتنا المعاصي، وضيقت معايشنا السيئات.
*يحب رمضان ويشتاق إليه لأنه شهر وعد الله فيه بمحو السيئات السابقة، ومغفرة الذنوب الماضية، بثلاثة أمور خاصة بهذا الشهر هي:
صيامه إيماناً واحتساباً، وقيامه إيماناً واحتساباً، وقيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، قال صلى الله عليه وسلم (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه).
سل نفسك، كم عمرك؟ كم زلّةٍ فعلت؟ كم خطئية ارتكبت؟ كم معصية احتملت؟ إن شهراً يمحو الله فيه هذه الزلات، ويذهب هذه المعاصي والسيئات جدير بأن يُـحب وأن يشتاق إليه.
*يحب رمضان ويشتاق إليه لأن فيه تفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، وتصفد الشياطين، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ» وعنه رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ».
ألا يُحب شهر تفتح فيه أبواب تلك الجنان التي طالما اشتاق لها المؤمن؟ ألا يحب شهر فيه تغلق أبواب النار التي طالما خافها المؤمن؟ ألا يحب شهر تصفد فيه الشياطين التي طالما آذت المؤمن، وأشغلت العبد، وحالت دون الطاعات، ودعت إلى
الشهوات؟
*يحب رمضان ويشتاق إليه لأن فيه ليلة القدر التي قيامها خ
ير من ألف شهر، أي خير من ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر، {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}.
ألا يحب شهر فيه هذه الليلة المباركة، لنيل بركاتها، والحصول على ثوابها، ونيل المغفرة فيها.
*يحب رمضان ويشتاق إليه لأن الله يعتق العباد فيه من نار المعاد، تلك النار التي طالما أفزعت القلوب، وفاضت خوفها منها العيون، ولهجت بالنجاة منها الألسن، في الحديث السابق قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ... وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ ".
ألا يحب هذا الشهر ويشتاق إليه إذا كان فيه هذا الفضل، لعل العبد يكون من أولئك العتقاء، فيسعد سعادة ليس بعدها شقاء.
ألا يُحب شهر رمضان ويشتاق إليه لنيل مثل هذه الأمور، والفوز بهذه العطايا، بلى والله إنه لجدير بالمحبة والشوق، فاللهم بلغنا رمضان، وبارك لنا فيه، واجعلنا ممن يشتاق للقياه، شوقاً لتلك الفضائل فيه
أخي المسلمِ/ أختي المسلمة .. لقد استعد أناس لهذا الشهر بتجنيد الجنود، وإعداد العدد، وتكريس الجهود، من أجل الإضلال والفساد، ونشر البلايا والرزايا بين الأمة، في سعي لسرقة الشهر من الناس، وسلب الفضل من بين أيديهم، وتضييع الوقت فيما يضر ولا ينفع، وهاهم يعرضون لهذا الانتاج الدعايات، ويعلونون النداءات، ويطلقون الهتافات، بكل البهارج والزخارف التي يريدون بها تغليف الباطل، وتزيين الضلال، وترويج السموم، وربك ينادي مناديه، "يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ... وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أقصر ... ".
فأي الندائين تُجِيب؟ وأي الدعوتين تلبي؟ كأني بشفتيك تنطق بـ: لبيك اللهم لبيك.
فلست ممن تغره هتافاتهم، ولست ممن تنطلي عليه بهرجتهم وتزيينهم، ولست ممن أَسِرَتْهُ دعاياتهم.
أسأل الله أن يعصمنا من الزلل، وأن يصلح منا القول والعمل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.